فصل: شهر ربيع الثاني سنة 1214:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر ربيع الأول سنة 1214:

واستهل ربيع الأول بيوم السبت في ثانيه، وصلت مراكب من بحري وفيها جرحى من الفرنساوية.
وفيه قبضوا على الحاج مصطفى البشتيلي الزيات من أعيان أهالي بولاق وحبسوه ببيت قائمقام، والسبب في ذلك أن جماعة من جيرانه وشوا عنه بأنه يدخل بعض حواصله الذي في وكالته عدة قدور مملوءة بالبارود فكبسوا على الحواصل فوجدوا بها ذلك أخبر الواشي فأخذوها وقبضوا عليه وحبسوه كما ذكر ثم نقلوه الى القلعة.
وفي سادسه، حضر أيضاً جملة من العسكر وكثر لغط الناس على عادتهم في رواية الأخبار.
وفيه حضرت حجاج المغاربة ووصلت صحبة الحج الشامي وأخبروا أنهم حجوا صحبته وأمير الحاج الشامي عبد الله باشا ابن العظم.
وفي ليلة الأحد تاسعه، حضر ساري عسكر الفرنساوية بونابارته ودخل الى داره بالأزبكية وحضر صحبته عدة أناس من أسرى المسلمين، وشاع الخبر بحضوره فذهب كثير من الناس الى الأزبكية ليتحققوا الخبر على جليته، فشاهدوا الأسرى وهم وقوف في وسط البركة ليراهم الناس، ثم أنهم صرفوهم بعد حصة من النهار فأرسلوا بعضهم الى جامع الظاهر خارج الحسينية، وأصعدوا باقيهم الى القلعة، وأما مصطفى باشا ساري عسكر فإنهم لم يقدموا به لمصر بل أرسلوه الى الجيزة مكرماً وأبقوا عثمان خجا بالإسكندرية، ولما استقر بونابارته في منزله ذهب للسلام عليه المشايخ والأعيان وسلموا عليه، فلما استقر بهم المجلس قال لهم على لسان الترجمان إن ساري عسكر يقول لكم، إنه لما سافر الى الشام كانت حالتكم طيبة في غيابه، وأما في هذه المرة فليس كذلك لأنكم كنتم تظنون أن الفرنسيس لا يرجعون بل يموتون عن آخرهم، فكنتم فرحانين ومستبشرين وكنتم تعارضون الآغا في أحكامه، وإن المهدي والصاوي ما هم بونو أي ليسوا بطيبين ونحو ذلك، وسبب كلامه هذا الحكاية المتقدمة التي حبسوا بسببها مشايخ الحارات، فإن الآغا الخبيث كان يريد أن يقتل في كل يوم أناساً بأدنى سبب فكان المهدي والصاوي يعارضانه ويتكلمان معه في الديوان ويوبخانه ويخوفانه سوء العاقبة، وهو يرسل الى ساري عسكر فيطالعه بالأخبار ويشكو منهما، فلما حضر عاتبهم في شأن ذلك فلاطفوه حتى انجلى خاطره وأخذ يحدثهم على ما وقع له من القادمين الى أبي قير والنصر عليهم وغير ذلك.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره، عمل المولد النبوي بالأزبكية ودعا الشيخ خليل البكري ساري عسكر الكبير مع جماعة من أعيانهم وتعشوا عنده وضربوا ببركة الأزبكية مدافع وعملوا حراقة وسواريخ ونادوا في ذلك اليوم بالزينة وفتح الأسواق والدكاكين ليلاً وإسراج قناديل واصطناع مهرجان، وورد الخبر بأن الفرنسيس أحضروا عثمان خجا ونقلوه من الإسكندرية الى رشيد فدخلوا به البلد وهو مكشوف الرأس حافي القدمين وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم حتى وصلوا به الى داره، فقطعوا رأسه تحتها ثم رفعوا رأسه وعلقوها من شباك داره ليراها من يمر بالسوق.
وفي ثالث عشره، أشيع بأن كبير الفرنسيس سافر الى جهة بحري ولم يعلم أحد أي جهد يريد، وسئل بعض أكابرهم فأخبر أن ساري عسكر المنوفية دعاه لضيافته بمنوف حين كان متوجهاً الى ناحية أبي قير ووعده بالعود إليه بعد وصوله الى مصر، وراج ذلك على الناس وظنوا صحته.
ولما كان يوم الاثنين سادس عشره، خرج مسافراً من آخر الليل وخفي أمره على الناس.
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه الموافق التاسع مسرى القبطي، كان وفاء النيل المبارك فنودي بوفائه على العادة، وخرج النصارى من القبطة والشوام والأروام وتأهبوا للخلاعة والقصف والتفرج واللهو والطرب، وذهبوا تلك الليلة الى بولاق ومصر العتيقة والروضة واكتروا المراكب ونزلوا فيها وصحبتهم الآلات والمغاني وخرجوا في تلك الليلة عن طورهم ورفضوا الحشمة وسلكوا مسلك الأمراء سابقاً من النزول في المراكب الكثيرة المقاذيف وصحبتهم نساؤهم وقحابهم وشرابهم وتجاهروا بكل قبيح من الضحك والسخرية والكفريات ومحاكاة المسلمين، وبعضهم تزيا بزي أمراء مصر وليس سلاحاً وتشبه بهم وحاكى ألفاظهم على سبيل الاستهزاء والسخرية وغير ذلك، وأجرى الفرنساوية المراكب المزينة وعليها البيارق وفيها أنواع الطبول والمزامير في البحر، ووقع في تلك الليلة بالبحر وسواحله من الفواحش والتجاهر بالمعاصي والفسوق ما لا يكيف ولا يوصف، وسلك بعض غوغاء العامة وأسافل العالم ورعاعهم مسالك تسفل الخلاعة ورذالة الرقاعة بدون أن ينكر أحد على أحد من الحكام أو غيرهم، بل كل إنسان يفعل ما تشتهيه نفسه وما يخطر بباله وإن لم يكن من أمثاله.
وأكثر الفرنسيس في تلك الليلة وصباحها من رمي المدافع والسواريخ من المراكب والسواحل وباتوا يضربون أنواع الطبول والمزامير، وفي الصباح ركب دوجا قائمقام وصحبته أكابر الفرنسيس وأكابر أهل مصر وحضروا الى قصر السد وجلسوا به، واصطفت العساكر ببر الروضة وبر مصر القديمة بأسلحتهم وطبولهم وبعضهم في المراكب لضرب المدافع المتتالية الى أن انكسر السد وجرى الماء في الخليج فانصرف.
وفي خامس عشرينه، طلبوا من كل طاحون من الطواحين فرساً.
وفي سادس عشرينه، كتبوا أوراقاً وألصقوها بالأسواق مضمونها أن الناس يذهبون الى بولاق يوم التاسع والعشرين ليحضروا سوق الخيل ويشتروا ما أحبوا من الخيل.
وفيه، ألصقوا أوراقاً أيضاً مضمونها بأن من كان عليه مال ميري ملزوم بغلاقه، ومن لم يغلق ما عليه بعد مضي عشرين يوماً عوقب بما يليق به، ونادوا بموجب ذلك بالأسواق.
وفي سابع عشرينه، كتبوا أوراقاً أيضاً مضمونها انقضاء سنة مؤاجرات أقلام المكوس ومن أراد استثمار شيء من ذلك فليحضر الى الديوان ويأخذ ما يريد بالمزاد.
وفيه أفرج عن الأنفار التي قدم بها الفرنساوية من غزة وحبست بالقلعة على مصلحة خمسة وسبعين كيساً دفعوا بعضها وضمنهم أهل وكالة الصابون في البعض الباقي، فأنزلوهم من القلعة على هذا الاتفاق بشرط أن لا يسافر منهم أحد إلا بعد غلاق ما عليه.
وفي ثامن عشرينه، تشفع أرباب الديوان في أهل يافا المسجونين بالقلعة أيضاً فوقع التوافق معهم على الإفراج عنهم بمصلحة مائة كيس فاجتمع الرؤساء والتجار وترووا واشتوروا في مجلس خاص بينهم فاتفق الحال على تقسيطها وتأجيلها في كل عشرين يوماً خمسة وعشرين كيساً فدفع التجار خمسة وعشرين كيساً وأفرج عنهم من القلعة وأجلوا الباقي على الشرح المذكور.
وفيه ورد من بونابارته ساري عسكر الفرنساوية كتاب من الإسكندرية خطاباً لأهل مصر وسكانها فأحضر قائمقام دوجا الرؤساء المصرية وقرأ عليهم الكتاب، مضمونه أنه سافر يوم الجمعة حادي عشرين الشهر المذكور الى بلاد الفرنساوية لأجل راحة أهل مصر وتسليك البحر فيغيب نحو ثلاثة أشهر، ويقدم مع عساكره فإنه بلغه خروج عمارتهم ليصفوا له ملك مصر ويقطع دابر المفسدين، وأن المولى على أهل مصر وعلى رياسة الفرنساوية جميعاً كهلبر ساري عسكر دمياط، فتحير الناس وتعجبوا في كيفية سفره ونزوله البحر مع وجود مراكب الانكليز ووقوفهم بالثغر ورصدهم الفرنساوية من وقت قدومهم الديار المصرية صيفاً وشتاء، ولكيفية خلوصه وذهابه أنباء وحيل لم أقف على حقيقتها.
وفي يوم السبت تاسع عشرينه، قدم ساري عسكر كلهبر صبيحة ذلك اليوم فضربوا لقدومه المدافع من جميع القلاع وتلقته كبار الفرنساوية وأصاغرهم وذهب الى بيت بونابارته الذي كان ساكناً به وهو بيت الألفي بالأزبكية وسكن مكانه، وفي ذلك اليوم قدمت طائفة من العسكر من جهة الشرقية وصحبتهم منهوبات كثيرة من بلد عصت عليهم فضربوها ونهبوها ومعهم السبعين من الرجال والصغار وبعض النساء وهم موثوقون بالحبال فسجنوهم بالقلعة.
وفيه ذهب أكابر البلد من المشايخ والأعيان لمقابلة ساري عسكر الجديد للسلام عليه فلم يجتمعوا به ذلك اليوم ووعدوا الى الغد، فانصرفوا وحضروا في ثاني يوم فقابلوه فلم يروا منه بشاشة ولا طلاقة وجه مثل بونابارته، فإنه كان بشوشاً ويباسط الجلساء ويضحك معهم.

.شهر ربيع الثاني سنة 1214:

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الأحد في أوائله، ابتدأوا في عمل مولد المشهد الحسيني وقهروا الناس وكرروا المناداة بفتح الحوانيت والسهر ووقود القناديل عشر ليالي متوالية آخرها ليلة الخميس ثاني عشره.
وفيه، طلب ساري عسكر الجديد من نصارى القبط مائة وخمسين ألف ريال فرانسة في مقابله بواقي سنة 1212، وشرعوا في تحصيلها.
وفي يوم الجمعة سادسه ركب ساري عسكر الجديد، من الأزبكية ومشى في وسط المدينة في موكب حافل حتى صعد الى اقلعة، وكان أمامه نحو الخمسمائة قواس وبأيديهم النبابيت وهم يأمرون الناس بالقيام والوقوف على الأقدام لمروره، وكان صحبته عدة كثيرة من خيالة الإفرنج وبأيديهم السيوف المسلولة والوالي والآغا وبرطلمين بمواكبهم، وكذلك القلقات والوجاقلية وكل من كان مولى من جهتهم ومنضماً إليهم ما عدا رؤساء الديوان من الفقهاء فلم يطلبوهم للحضور ولا للمشي في ذلك الموكب، ولما صعد الى القلعة ضربوا له عدة مدافع وتفرج على القلعة ثم نزل بذلك الموكب الى داره.
وفي يوم السبت سابعه، ركب أغات الينكجرية في أبهة عظيمة وجبروت وأمامه عدة من عسكر الفرنسيس، وأمامه المنادي يقول: حكم ما رسم ساري عسكر خطاباً للآغا: إن جميع الدعاوى والقضايا العامية لا تعمل إلا ببيت الآغا، وكل من تعدى من الرعايا أو وقع منه قلة أدب يستأهل ما يجري عليه.
وفيه ركب ساري عسكر الكبير في موكب دون الأول ووصل الى بيت رئيس الديوان الشيخ عبد الله الشرقاوي ثم رجع الى داره.
وفي يوم الأحد ثامنه، عمل ساري عسكر وليمة في بيته ودعا الأعيان والتجار والمشايخ فتعشوا عنده ثم انصرفوا الى ديارهم.
وفي يوم الثلاثاء عاشره، كان آخر المولد الحسيني وحضر ساري عسكر الفرنساوية مع أعيانهم الى بيت شيخ السادات بعد العصر في موكب عظيم، وأمامه الآغا والمحتسب وعدة كبيرة من عسكرهم وبيدهم السيوف المسلولة، فتعشوا هناك وركبوا بعد المغرب وشاهدوا وقود القناديل.
وفي سادس عشره، نودي بنشر الحوائج، وكتبوا بذلك أوراقاً وألصقوها بالأسواق، وشددوا في ذلك بالتفتيش والنظر بجماعة من طرف مشايخ الحارات، ومع كل منهم عسكري من طرف الفرنساوية وامرأة أيضاً للكشف عن أماكن النساء، فكان الناس يأنفون من ذلك ويستثقلونه ويستعظمونه وتحدثهم أوهامهم بأمور يتخيلونها، كقولهم: إنما يريدون بذلك الاطلاع على أماكن الناس ومتاعهم مع أنه لم يكن شيء سوى التخوف من العفونة والوباء.
وفي عشرينه نودي بعمل مولد السيد علي البكري المدفون بجامع الشرايبي بالأزبكية بالقرب من الرويعي، وأمروا الناس بوقود قناديل بالأزقة في تلك الجهات وأذنوا لهم بالذهاب والمجيء ليلاً ونهاراً من غير حرج، وقد تقدم ذكر بعض خبر هذا السيد وأنه كان رجلاً من البله وكان يمشي بالأسواق عرياناً مكشوف الرأس والسوأتين غالباً، وله أخ صاحب دهاء ومكر لا يلتئم به، واستمر على ذلك مدة سنين، ثم بدا لأخيه فيه أمر لما رأى من ميل الناس لأخيه واعتقادهم فيه كما هي عادة أهل مصر في أمثاله، فحجر عليه ومنعه من الخروج من البيت وألبسه ثياباً وأظهر للناس أنه أذن له بذلك وأنه تولى القطبانية ونحو ذلك، فأقبلت الرجال والنساء على زيارته والتبرك به وسماع ألفاظه والإنصات إلى تخليطاته وتأويلها بما في نفوسهم، وطفق أخوه المذكور يرغبهم ويبث لهم في كراماته وأنه يطلع على خطرات القلوب والمغيبات وينطق بها في النفوس، فانهمكوا على الترداد إليه وقلد بعضهم بعضاً وأقبلوا عليه بالهدايا والنذور والإمدادات الواسعة من كل شيء وخصوصاً من نساء الأمراء والأكابر، وراج حال أخيه واتسعت أمواله ونفقت سلعته وصادت شبكته وسمن الشيخ من كثرة الأكل والدسومة والفراغ والراحة، حتى صار مثل البو العظيم، فلم يزل على ذلك الى أن مات في سنة سبع بعد المائتين كما تقدم، فدفنوه بمعرفة أخيه في قطعة حجر عليها من هذا المسجد من غير مبالاة ولا مانع، وعمل عليه مقصورة ومقاماً وواظب عنده بالمقرئين والمداحين وأرباب الأشاير والمنشدين بذكر كراماته وأوصافه في قصائدهم ومدحهم ونحو ذلك، ويتواجدون ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه، ويغرفون بأيديهم من الهواء المحيط به ويضعونه في أعبابهم، وصار ذلك المسجد مجمعاً وموعداً، فلما حضر الفرنساوية الى مصر تشاغل عنه الناس وأهمل شأنه في جملة المهملات وترك مع المروكات، فلما فتح أمر الموالد والجمعيات ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات، أعيد هذا المولد مع جملة ما أعيد.

.شهر جمادى الأولى سنة 1214:

واستهل شهر جمادى الأولى بيوم الجمعة، فيه اهتم الفرنسيس بعمل عيدهم المعتاد وهو عند الاعتدال الخريفي وانتقال الشمس لبرج الميزان، فنادوا بفتح الأسواق والدكاكين ووقود القناديل، وشددوا في ذلك وعملوا عزائم وولائم وأطعمة ثلاثة أيام آخرها يوم الإثنين، ولم يعملوه على هيئة العام الماضي من الاجتماع بالأزبكية عند الصاري العظيم المنتصب والكيفية المذكورة، لأن ذلك الصاري سقط وامتلأت البركة بالماء، فلما كان يوم الأحد نبهو على الأمراء والأعيان بالبكور الى بيت ساري عسكر. فاجتمع الجمع في صبح يوم الإثنين، فركب ساري عسكر معهم في موكب كبير وذهبوا الى قصر العيني فمكثوا هناك حصة وعرضت عليهم العساكر جميعها على اختلاف أنواعها من خيالة ورجالة وهم بأسلحتهم وزينتهم، ولعبوا لعبهم في ميدان الحرب، وخلع ساري عسكر على الشيخ الشرقاوي والقاضي وأغات الينكجرية خلع سمور، ثم رجع الى منازلهم، ثم نودي في جميع الأسواق بوقود أربع قناديل على كل دكان في تلك الليلة، ومن لم يفعل ذلك عوقب. ثم عملوا بالأزبكية حراقة نفوط ومدافع وسواريخ ولعبوا في المراكب طول ليلهم.
وفي سابعه، بعد عيد الصليب نقص ماء النيل وكان من أول زيادته قاصراً عن العادة وزيادته شحيحة، فضج الناس وانكبوا على شراء الغلة وازدحموا في الرقع والسواحل وطلب باعة الغلة الزيادة في السعر، فجمع الفرنساوية كل من كان له مدخل في تجارة الغلال وزجروهم وخوفوهم، وقالوا لهم: هذه الغلة الموجودة الآن إنما هي زراعة العام الماضي، وأما هذا العام فلا تخرج زراعته إلا في العام المقبل، فانزجروا وباعوا بالسعر الحاضر، وقد كاد يقع الغلاء العظيم لولا ألطاف الله ورحمته ونعمه العميمة الشاملة حصلت.
وفيه أرسلوا جملة عساكر من الفرنساوية الى مراد بك بناحية الفيوم وعليهم كبير فوقع بينهم وبينه أمور لم أتحقق تفصيلها، وترددت بينه وبين ساري عسكر الرسل والمراسلات ووقع بينه وبينهم الهدنة والمهاداة، واصطلح معهم على شروط منها تقليده إمارة الصعيد تحت حكمهم. وفي هذا الشهر كثرت الإشاعة باجتماع عساكر عثمانية جهة الشام، فكثر اهتمام الفرنساوية بإخراج الجيخانات والمدافع وآلات الحرب والقومانية والعساكر وتحصين الصالحية والفرين وبلبيس.

.شهر رجب سنة 1214:

واستهل شهر رجب بيوم الجمعة، وفيه كثرت الأقوال وتواترت الأخبار بوصول الوزير الأعظم يوسف باشا الى الديار الشامية وصحبته نصوح باشا وعثمان آغا كتخدا الدولة وحسين آغا نزله أمين ومصطفى أفندي الدفتردار وباقي رجال الدولة، وعسفوا في البلاد الشامية وضربوا عليهم الضرائب العظيمة وجبوا الأموال، فلما كان في منتصفه وردت الأخبار بوصولهم الى غزة والعريش وأنهم حاصروا قلعة العريش وقاتلوا من بها من عسكر الفرنساوية حتى ملكوها في تاسع عشره. واحتووا على ما كان فيها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب، وصعد مصطفى باشا الذي باشر أخذ القلعة مع جملة من العسكر وبعض الأجناد المصرية وضربت النوبة وحصل لهم الفرح العظيم، فاتفق أنه وقعت نار على مكان الجبخانة والبارود المخزون بالقلعة، وكان شيئاً كثيراً فاشتعلت وطارت القلعة بمن فيها واحترقوا وماتوا وفيهم الباشا المذكور ومن معه ومحمد آغا أرنؤد الجلفي وغيره من المصرلية، ومات كثير ممن كان خارجاً عنها وبقربها مما نزل عليهم من النار والأحجار المتطايرة في أسرع وقت، ولما تحقق الفرنساوية أخذ العريش وأن عساكر العثمانيين زاحفة الى جهة الصالحية تهيأ ساري عسكر الفرنساوية واستعد للخروج والسفر في أسرع وقت، وخرج بعساكره وجنوده الى الصالحية وقد كان قبل أخذ العثمانيين قلعة العريش أرسل الفرنساوية الى سينت كبير الانكليز مراسلات ليتوسط بينهم وبين العثمانيين، ثم ورد فرمان من حضرة الوزير قبل وصوله لجهة العريش خطاباً الى جمهور الفرنساوية باستدعاء رجلين من رؤسائهم وعقلائهم ليتشاور معهم ويتفق معهم على أمر يكون فيه المصلحة للفريقين على ما سيشترطونه بينهم، فوجهوا إليه من طرفهم بوسليك رئيس الكتاب وديزه ساري عسكر الصعيد، فنزلوا في البحر على دمياط وطالت مدة غيابهم وبعث كلهبر ساري عسكر رسلاً من طرفه لاستفسار الأخبار.

.شهر شعبان المعظم سنة 1214:

واستهل شهر شعبان المعظم، فورد الخبر بقدومهما في اثنين وعشرين فيه الى الصالحية، فأرسلوا لهما الخيول وما يحتاجان إليه وحضرا الى مصر، وشاع أمر الصلح وحضر من طرف العثمانيين رئيس الكتاب والدفتردار لتقرير الصلح، وجنح كل من الفريقين الى ذلك لما فيه من كف الحرب وحقن الدماء، وأظهر الفرنساوية الخداع والخضوع حتى تم عقد الصلح على اثنين وعشرين شرطاً رسمت وطبعت في طومار كبير، وورد الخبر بذلك الى مصر وفرح الناس بذلك فرحاً شديداً. وأرسل ساري عسكر الفرنساوية مكاتبة بصورة الحال الى دوجا قائمقام، فجمع أهل الديوان وقرأ عليهم ذلك، ولما ورد ذلك الطومار المتضمن لعقد الصلح والشروط وعربوه وطبعوا منه نسخاً كثيرة فرقوا منها على الأعيان وألصقوا منها بالأسواق والشوارع.
وصورته: بما فيه من الفصول والشروط بالحرف الواحد ما عدا ترجمة الأسطر التي باللغة الفرنساوية وهذه صورة الشروط الواقعة لخلو مصر ما بين حضرة الجنرال ديزه متفرقة وحضرة بسليغ مدير الحدود العام نواب ساري العسكر العام كلهبر المفوضين بكامل السلطان. وجناب سامي المقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار ومصطفى راسيه أفندي رئيس كتاب الوكلاء المفوضين بكامل السلطان عن جناب حضرة الوزير سامي المقام، أن للجيش الفرنساوي بمصر عندما قصد أن يوضح ما في نفسه من وفور الشوق لحقن الدماء ويرى نهاية الخصام المضر الذي قد حصل ما بين المشيخة الفرنساوية والباب العالي، فقد ارتضى أن يسلم بخلو الإقليم المصري بحسب هذه الشروط الآتي ذكرها، يأمل أن بهذا التسليم يمكن أن يتجه ذلك الى صلح العام في بلاد المغرب قاطبة.
الشرط الأول - أن الجيش الفرنساوي يلزمه أن يتنحى بالأسلحة والعزال بالأمتعة الى الإسكندرية ورشيد وأبو قير لأجل أن يتوجه وينتقل بالمراكب الى فرانسا إن كان ذلك في مراكبهم الخاص بهم أم في تلك التي يقتضي للباب العالي أن يقدمها لهم بقدر الكفاية، ولأجل تجهيز المراكب المذكورة بأقرب نوال فقد وقع الاتفاق بعد مضي شهر واحد من تقرير هذه الشروط يتوجه الى قلعة إسكندرية نائب من قبل الباب العالي وصحبته خمسون نفراً.
الشرط الثاني - فلا يدعن المهلة وتوقيف الحرب بمدة ثلاثة أشهر بالإقليم المصري وذلك من عهد إمضاء شروط الاتفاق هذه، وإذا صادف الأمر أن هذه المهلة تمضي قبل أن المراكب الواجب تجهيزها من قبل الباب العالي تحضر جاهزة، فالمهلة المذكورة يقتضي مطاولتها الى أن ينجز الرحيل على التمام والكمال، ومن الواضح أنه لابد عن إصراف الوسايط الممكنة من قبيل الفريقين لكي لا يحصل ما يمكن وقوعه من التجسس، إن كان ذلك من الجيش أم من أهل البلاد إذا كانت هذه المهلة قد حصل الاتفاق بها لأجل راحتهم.
الشرط الثالث - فرحيل الجيش الفرنساوي يقتضي تدبيره بيد الوكلاء القادمين لهذه الغاية من قبل الباب الأعلى وساري العسكر كلهبر، وإذا حصل خصام ما بين الوكلاء المذكورين بوقت الرحيل في هذا الصدد فلينتخب من قبل حضرة سيد نهي سميت رجل لينهي المخاصمات المذكورة بحسب قواعد السياسة البحرية السالكون عليها ببلاد الانكليز.
الشرط الرابع - قطية والصالحية لابد من خلوهما عن الجيش الفرنساوي في ثامن يوم وأعظم ما يكون في عاشر يوم من إمضاء شروط الاتفاق هذه، ومدينة المنصورة يكون خلوها من بعد خمسة عشر يوماً، وأما دمياط وبلبيس من بعد عشرين يوماً، وأما السويس فيكون خلوه ستة أيام قبل مدينة مصر، وأما المحلات الكائنة في الجهة الشرقية من بحر النيل فيكون خلوها في اليوم العاشر، والدلطا أي الإقليم البحرية يكون خلوها خمسة عشر يوماً من بعد خلو مصر. ولكن من حيث أنها لابد أن تستمر بيد الفرنساوية الى أن يكون انحدار العسكر من جهات الصعيد فجهة الغربية وتعلقاتها كما ذكر فممكن أنه لا يتيسر خلوها إلا من بعد انقضاء وقت المهلة المعين إذا لم يمكن خلوها قبل هذا الميعاد، والمحلات التي تترك من الجيش فتسلم الى الباب الأعلى كما هي في حالها الآن.
الشرط الخامس - ثم إن مدينة مصر إن أمكن ذلك يكون خلوها بعد أربعين يوماً وأكثر ما يكون بمدة خمسة وأربعين يوماً من وقت إمضاء الشروط المذكورة.
الشرط السادس - إنه لقد وقع الاتفاق صريحاً على أن الباب الأعلى يصرف كل اعتناء في أن الجيش الفرنساوي الموجود في الجهة الغربية من بحر النيل عندما يقصد التنحي: بكامل ما له من السلاح والعزال لنحو معسكرهم لا تصير عليه مشقة ولا أحد يشوش عليه، إن كان ذلك مما يتعلق بشخص كل واحد منهم أو بأمتعته أو بكرامته، وذلك إما من أهالي البلاد وإما من جهة العسكر السلطاني العثملي.
الشرط السابع - وحفظاً لإتمام الشرط المذكور أعلاه وملاحظة لمنع ما يمكن وقوعه من الخصام والمعاداة فلابد عن استعمال الوسائط في أن عسكر الإسلام يكون دائماً متباعداً عن العسكر الفرنساوي.
الشرط الثامن - فمن تقرير وإمضاء هذه الشروط فكل من كان من الإسلام أم من باقي الطوائف من رعايا البلم الأعلى بدون تمييز الأشخاص أولئك الواقع عليها الضبط أم الذين واقع عليهم الترسيم ببلاد فرانسا أو تحت أمر الفرنساوية بمصر يعطى لهم الإطلاق والتعلق. وبمثل ذلك فكل الفرنساوية المسجونين في كامل البلدان والأساكل من مملكة العثملي وكذلك كامل الأشخاص من أيما طائفة كانت أولئك الذين كانوا في تعلق خدمة المراسلات والقناصل الفرنساوية لابد عن انعتاقهم.
الشرط التاسع - فترجيع الأموال والأملاك المتعلقة بسكان البلاد والرعايا من الفريقين أم دفع مبالغ أثمانها لأصحابها فيكون الشروع به حالاً من بعد خلو مصر، والتدبير في ذلك يكون بيد الوكلاء في اسلامبول المقامين بوجه خاص من الفريقين لهذا الصدد.
الشرط العاشر - فلا يحصل التشويش لأحد من سكان الإقليم المصري من أي ملة كانت. وذلك لا في أشخاصهم ولا في أموالهم نظراً الى ما يمكن أن يكون قد حصل من الاتحاد ما بينهم وبين الفرنساوية من إقامتهم بأرض مصر.
الشرط الحادي عشر - ولابد أن يعطى للجيش الفرنساوي إن كان من قبل الباب الأعلى أو من قبل المملكتين المرتبطين معه، أعني بها مملكة انكلترة ومملكة المسكوب، فرمانات الإذن والأوراق المحافظة بالطريق وبمثل ذلك السفن اللازمة لرجع الجيش المذكور بالأمن والأمان الى بلاد فرانسا.
الشرط الثاني عشر - وعند نزول الجيش الفرنساوي المذكور الكائن بمصر الآن فالباب الأعلى وباقي الممالك المتحدة معه يعاهدون بأجمعهم أنهم من وقت ينزلون بالمراكب الى حين وصولهم الى أراضي فرانسا لا يحصل عليهم شيء قط مما يكدرهم، وبنظير ذلك فحضرة الجنرال كلهبر ساري العسكر لعام يعاهد من قبله وصحبته الجيش الفرنساوي الكائن بمصر بأنه لا يصدر منهم ما يؤول الى المعاداة على الإطلاق، مادامت المدة المذكورة وذلك لا ضد العمارة ولا ضد بلدة من بلدان الباب الأعلى وباقي الممالك المرتبطة معه، وكذلك أن السفن التي يسافر بها الجيش المشار إليه ليس لها أن ترى في حد من الحدود إلا بتلك التي تختص بأراضي فرانسا ما لم يكن ذلك في حادث ما ضروري.
الشرط الثالث عشر - ونتيجة ما قد وقع الاتفاق عليه من الإمهال المشترط أعلاه بما يلاحظ خلو الإقليم المصري، فالجهات الواقع بينهم هذا الاشتراط قد اتفقوا على أنه إذا حضر في حد هذه المدة المذكورة مركب من بلاد فرانسا بدون معرفة غلايين الممالك المتحدة ودخل بمينا إسكندرية فلازم عن سفره حالاً، وذلك من بعد أن يكون قد تحوج بالماء والزاد اللازم، ويرجع الى فرانسا وذلك بسندات أوراق الإذن من قبل الممالك المتحدة، وإذا صادف الأمر أن مركباً من هذه المراكب يحتاج الى الترقيع فهذه لا غير يباح لها الإقامة الى أن ينتهي إصلاحها المذكور، وفي الحال من ثم تتوجه الى بلاد فرانسا نظير التي قد تقدم القول عنها عند أول ريح يوافقها.
الشرط الرابع عشر - وقد يستطيع حضرة الجنرال كلهبر ساري العسكر العام أن يرسل خبراً الى أرباب الأحكام الفرنساوية في الحال ومن يصحب هذا الخبر لابد أن تعطى له أوراق الإذن بالإطلاق كما يقتضي ليسهل بهذه الواسطة وصول الخبر الى أصحاب الحكم بفرانسا.
الشرط الخامس عشر - وإذا قد اتضح أن الجيش الفرنساوي يحتاج الى المعاش اليومي مادامت الثلاثة أشهر المعينة لخلو الإقليم المصري وكذلك لمعاش الثلاثة الأشهر الأخرى التي يكون مبتدأها من يوم نزولهم بالمراكب، فقد وقع الاتفاق على أنه يقدم له مقدار ما يلزم من القمح واللحم والأرز والشعير والتبن، وذلك بموجب القائمة التي تقدمت الآن من وكلاء الجمهور الفرنساوي إن كان ذلك مما يخص إقامتهم أو ما يلاحظ سفرهم، والذي يكون قد أخذه الجيش المذكور مقدار ما كان من شؤونه وذلك من بعد إمضاء هذه الشروط فينخصم مما قد لزم ذاته بتقدمته الباب الأعلى.
الشرط السادس عشر - ثم إن الجيش الفرنساوي منذ ابتدأ وقوع إمضاء هذه الشروط المذكورة ليس له أن يفرد على البلاد فردة ما من الفرائد قطعاً بالإقليم المصري، لا بل وبالعكس فإنه يخلي للباب الأعلى كامل فرد المال وغيره مما يمكن توجيه قبضه، وذلك الى حين سفرهم. وبمثل ذلك الجمال والهجن والجبخانة والمدافع وغير ذلك مما يتعلق بهم ولا يريدون أن يحملوه معهم، ونظير ذلك شون الغلال الواردة لهم من تحت المال وأخيراً مخازن الخراج فهذه كلها لابد عن الفحص عنها وتسعيرها من أناس وكلاء موجهين من قبل الباب الأعلى لهذه الغاية ومن أمين البحر الانكليزي وبرفقة الوكلاء المتصرفين بأمر الجنرال كلهبر ساري العسكر، وهذه الأمتعة لابد عن قبولها من وكلاء الباب الأعلى المتقدم ذكرهم بموجب ما وقع عليه السعر الى حد قدر مبلغ ثلاثة آلاف كيس التي تقتضي للجيش الفرنساوي المذكور لسهولة انتقاله عاجلاً ونزوله بالمراكب، وإذا كانت الأسعار في هذه الأمتعة المذكورة لا توازي المبلغ المرقوم أعلاه فالخسيس والنقص في ذلك لابد عن دفعه بالتمام من قبل الباب الأعلى على جهة السلفة، تلك التي يلزم بوفائها أرباب الأحكام الفرنساوية بأوراق التمسكات المدفوعة من الوكلاء المعينين من الجنرال كلهبر ساري العسكر العام لقبض واستلام المبلغ المذكور.
الشرط السابع عشر - ثم إنه إذا كانت تقتضي للجيش الفرنساوي بعض مصاريف لخلوهم مصر فلابد أن تقبض وذلك من بعد تقرير تمسك الشروط المذكورة القدر المحدد أعلاه بالوجه الآتي ذكره، أعني فمن بعد مضي خمسة عشر يوماً خمسمائة كيس، وفي غلاق الثلاثين يوماً خمسمائة كيس أخرى، وبتمام الأربعين يوماً ثلثمائة كيس أخرى، وعند تمام الخميس يوماً ثلثمائة كيس شرحه، وعند غلاق الستين يوماً ثلثمائة كيس أخرى، وفي السبعين يوماً ثلثمائة كيس أخرى، وعند تمام الثمانين يوماً ثلثمائة كيس أخرى، وعند غلاق التسعين يوماً خمسمائة كيس أخرى، وكل هذه الأكياس المذكورة هي عن كل كيس خمسمائة غرش عثملي، ويكون قبضها على سبيل السلفة من يد الوكلاء المعينين لهذه الغاية من قبل الباب الأعلى، ولكي يسهل إجراء العمل بما وقع الاعتماد عليه فالباب الأعلى من بعد وضع الإمضاء على النسختين من الفريقين يوجه حالاً الوكلاء الى مدينة مصر والى بقية البلاد المستمر بها الجيش.
الشرط الثامن عشر - ثم إن فرد المال الذي يكون قد قبضه الفرنساوية من بعد تاريخ تحرير الشروط المذكورة وقبل أن يكون قد اشتهر هذا الاتفاق في الجهات المختلفة بالإقليم المصري فقد تخصم من قدر مبلغ الثلاثة آلاف كيس المتقدم القول عنها.
الشرط التاسع عشر - ثم إنه لكي يسهل خلو المحلات سريعاً فالنزول في المراكب الفرنساوية المختصة بالحمولة والموجودة في المين بالإقليم المصري مباح به مادامت مدة الثلاثة أشهر المذكورة المعينة للمهلة، وذلك من دمياط ورشيد حتى الى الإسكندرية، ومن إسكندرية حتى الى رشيد ودمياط.
الشرط العشرون - فمن حيث أنه للطمأن الكلي في جهات البلاد الغربية يقتضي الاحتراس الكلي لمنع الوبا الطاعوني عن أنه يتصل هناك، فلا يباح ولا لشخص من المرضى أو من أولئك الذين مشكوك بهم برائحة من هذا الداء الطاعوني أن ينزل بالمراكب، بل أن المرضى بعلة الطاعون أو بعلة أخرى أينما كانت تلك التي بسببها لا يقتضي أن يسمح بسفرهم بمدة خلو الإقليم المصري الواقع عليها الاتفاق يستمرو نفي بيمارستان المرضي حيث هم الآن تحت أمان جناب الوزير الأعظم عالي الشأن، ويعالجونهم الأطباء من الفرنساوية أولئك الذين يجاورونهم بالقرب منهم الى أن يتم شفاهم، يسمح لهم بالرحيل الشيء الذي لابد عن اقتضاء الاستعجال به بأسرع ما يمكن، ويحصل لهم ويبدو نحوهم ما ذكر في الشرطين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الاتفاق نظير ما يجري على باقي الجيش، ثم إن أمير الجيش الفرنساوي يبذل جهده في إبراز الأوامر الأشد صرامة لرؤساء العساكر النازلة بالمراكب بأن لا يسمحوا لهم بالنزول بمينا خلاف المين التيتتعين لهم من رؤساء الأطباء، تلك المين التي يتيسر لهم بها أن يقضوا أيام الكارنتينة بأوفر السهولة من حيث أنها من مجرى العادة ولابد عنها.
الشرط الحادي والعشرون - فكل ما يمكن حدوثه من المشاكل التي تكون مجهولة ولم يمكن الاطلاع عليها في هذه الشروط فلابد عن تجاوزها بوجه الاستحباب ما بين الوكلاء المعينين لهذا القصد من قبل الجناب الوزير الأعظم عالي الشأن وحضرة الجنرال كلهبر ساري العسكر العام بوجه يسهل ويحصل الإسراع بالخلو.
الشرط الثاني والعشرون - وهذه الشروط لا تعد صحيحة إلا من بعد إقرار الفريقين وتبديل النسخ وذلك بمدة ثمانية أيام ومن بعد حصول هذا الإقرار لابد عن حفظ هذه الشروط الحفظ اليقين من الفريقين كليهما.
صح وثبت وتقرر بختوماتنا الخاصة بنا بالمعسكر حيث وقعت المداولة بحد العريش في شهر يلويوز سنة ثمان من إقامة المشيخة الفرنساوية وفي رابع عشرينه شهر كانون الثاني غربي من سنة ألف وثمانمائة، الواقع، في ثامن عشرين شهر شعبان هلالية سنة 1224 هجرية. الممضيين الجنرال متفرقة ذره البلدي بوسيهلغ المفوضين بكامل سلطانه الجنرال كلهبر وجناب سامي مقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار ومصطفى راسيسه أفندي رئيس الكتاب المفوضين بكامل سلطان جناب الوزير الأعظم عالي الشأن، منقولة عن النسخة الأصلية الموافقة لتلك الموجهة بالفرنساوية الى الوكلاء العثملي، بدلاً من التي قد وجهوها باللغة التركي ممضي دزه وبوسيهلغ تقرير الجنرال ساري العسكر العام، محرر في آخر السنة التركية التي بقيت محفوظة بيد الوزير الأعظم، إنني أنا الواضع اسمي أدناه الجنرال ساري العسكر العام أمير الجيش الفرنساوي بالإقليم المصري أثبت وأقرر شروط الاتفاق المذكور أعلاه للحصول على إجرائه بالعمل بالنوع والصورة إن كان من اللازم أن أتيقن بأن الاثنين وعشرين شرطاً المشروحة الى الآن هي موافقة على التدقيق باللغة الفرنساوية الممضي عليها من الوكلاء أصحاب ولاية الوزير الأعظم والمقررة من جناب عالي الشأن، الترجمة التي لابد عن الاعتماد بإجرائها كل مرة إن كان لسبب أم لآخر، ممكن حصول بعض الاختلافات، ومن ثم فتقلد بعض المشاكل.
صح وجرى بمحل العسكر العام بالصالحية في ثامن شهر يلويوز سنة ثمان من المشيخة. ممضي كلهبر عن نسخة صحيحة الجنرال متفرقة رأس صاحب ختام في الجيش الفرنساوي. ممضي داماس انتهى بحروفه وما فيه من خطأ أو تحريف فهو طبق الأصل المطبوع بالمطبعة الفرنساوية باللغة العربية، ولم أغير منه سوى ما في تواريخ الأشهر والسنين بالأرقام الهندية والله أعلم.